بعد العجز المقلق في التمويل، ما هي الخطوات المتوقعة والخيارات الممكنة أمام الحكومة ؟
خطوات إنقاذية سريعة وأخرى إستراتيجية لإصلاح التقاعد على مدى 30 سنة القادمة “خطة 2050”
بقلم: إبراهيم خليل إبراهيم
في الأعداد الثلاثة المنشورة في الأسابيع الماضية، وعدنا القارىء أننا سوف نجيب على ثلاثة أسئلة محددة بشأن أزمة تمويل صناديق التقاعد، بحيث يتناول كل مقال سؤالا محوريا من التسآؤلات المطروحة على حدى وبشيء من التفصيل.
والسؤال الذي نغطيه في هذا الجزء الرابع هو: بعد هذا العجز المقلق في مستويات التمويل، ما هي الخطوات المتوقعة والخيارات الممكنة أمام الحكومة ؟ جميع ما سوف يرد في هذا المقال هو إجابة لهذا السؤال فقط وليس لأية تسآؤلات أو قضايا أخرى تخص صناديق التقاعد.
قبل أن نشرع في تفصيل الخطوات والخيارات الممكنة والضرورية لإنقاذ صناديق التقاعد، فإنه من المهم جدا أن نشرح الخلفية القانونية والمهنية والتجريبية في مجال إصلاح أنظمة التقاعد لتتضح الصورة ونضع الأمور في سياقها الصحيح، وتشمل ما يلي:
أولا، فهم الطبيعة القانونية والسياسية للتقاعد: ينظر الناس في مجتمعنا المحلي وفي البلدان الأخرى إلى الضمان الاجتماعي على أنه “عقد أو إتفاقية” ملزمة، على غرار بوالص التأمين على الحياة مثلا أو أية إتفافيات مالية أخرى، بحيث أن المرتبات التقاعدية التي تنزل في حسابات المتقاعدين شهريا من الهيئة العامة للتأمينات الإجتماعية هي شيء طبيعي وحتمي ومضمون. وقد يقولون في قرارة أنفسهم “لقد دفعنا من أموالنا طيلة تلك السنوات، وها هي الآن أموالنا تعود إلينا ونستردها”. هذه وجهة نظر مفهومة تمامًا، لكنها خاطئة أيضًا، على الأقل على المستوى الفني والهيكلي لأنظمة التأمين الإجتماعي القائمة.
التأمين الاجتماعي ليس خدمة تأمينية أو أي نوع آخر من المنتجات المالية التعاقدية. القانون المحلي يلزمك كعامل وكجهة عمل بدفع “المساهمات الشهرية” لهيئة التأمينات الإجتماعية، لكنه لا يلزم الحكومة بإعادة أي شيء اليك، هي مجرد ضريبة لصندوق عام تضامني مثل أي ضريبة أخرى. المبلغ الذي تدفعه موجود فعلا في مبلغ مخصصاتك، ولكن يمكن للحكومة في أي بلد تغيير مزايا التقاعد في أي وقت تشاء أو تراه ضروريا حسب صلاحياتها التشريعية والتنفيذية كما هو حاصل حاليا في العديد من البلدان.
للتوضيح، يتم ضمان مزايا التأمين الاجتماعي الخاصة بك بموجب القانون الحالي، لكن الحكومة تحتفظ بالحق في تغيير القانون، وعليه (من باب الإفتراض) فإنه بإمكانها أن تمنحك أكثر أو أقل أو أن تدخل الكثير من الشروط والترتيبات التي لم تكن تتوقعها وأنت تمضي نحو التقاعد.
أنا لا أقترح ولا أقصد هنا أن الحكومة على وشك تغيير أي شيء. إنما وجهة نظري التحليلية حول الوعود التقاعدية، كمسألة أخلاقية أو سياسية، أقول صحيح أن الحكومات تعد بكل هذه الأمور ومن خلال قوانين، ومع ذلك، فإن ذلك لا يتعدى كونه وعدا. كما لا يمكنك في الغالب مقاضاة حكومتك كمواطن للحصول على ما تدين به لأنها ليست “مدينة لك” بأي شيء محدد وثابت.
قد يبدو هذا الكلام مجرد تنظير وهو بالفعل كذلك، وهو لا يهم الآن مادامت الأمور ولله الحمد تسير بشكل ملائم يلبي إحتياجات الناس، لكن إذا ما استمرت الزيادة في متوسط العمر مستقبلا (وهي تقريبا بنسبة سنتين ونصف كل عشر سنوات)، وفي نفس الوقت إستمر إنخفاض معدلات الإنجاب عالميا وبالتالي إنخفضت حجم العمالة المساهمة في صناديق التقاعد، فإن هذه العوامل مجتمعة خلال العقود القليلة القادمة سوف تؤدي إلى عواقب وخيمة بعيدة المدى على الاقتصاد وعلى أنظمة التأمينات الإجتماعية بشكل خاص.
وخلاصة القول أنه إذا كنت تعتمد على التأمين الاجتماعي فقط لتمويل تقاعدك المستقبلي، فيتوجب عليك أن تدرك أن مستقبلك هو التزام غير ممول بشكل كاف وآمن في غالبية بلدان العالم – وهو ليس وعدا حقيقيا لأنه يمكن أن يتغير في أي وقت.
ثانيا، مسار تصحيح أنظمة التقاعد وإختلاف أيديولوجي بين المؤسسات الدولية (إصلاحات هيكلية مقابل إصلاحات معيارية): ففي حين أن منظمة العمل الدولية ومعها الرابطة الدولية للضمان الإجتماعي تميلان مجاهرة إلى التركيز على مصالح العاملين وضمان حقوقهم بالدرجة الأولى، فان البنك الدولي ومعه كافة المنظمات المالية الدولية (IFIs) والتي تشمل صندوق النقد الدولي وOECD وUSAID يركزون على تنمية بيئة العمل وإقتصاديات السوق والإستدامة المالية للحكومات بشكل أكبر. ورغم أن كلا المدرستين تهدفان إلى إزدهار الإقتصاد ودعم الوضع المعيشي للناس، إلا أن رؤيتهم إلى التوليفة أو الترتيبات والمسؤليات لتحقيق ذلك الهدف تختلف جدريا بل تتضارب في أحيان كثيرة.
منظمة العمل الدولية، والتي تأسست في عام 1919 (أي قبل تأسيس الأمم المتحدة بـ 26 عاما) والرابطة الدولية للضمان الإجتماعي التابعة لها والتي تأسست في عام 1927 (والتي ينتسب لها اليوم أكثر من 330 هيئة وطنية للتأمينات الإجتماعية في 160 دولة كأعضاء) تستند إلى مبادىء التضامن والعدالة الاجتماعية وترى في مزايا التقاعد والحماية الإجتماعية على أنها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان العالمية، وأن المسؤلية تقع على عاتق الدولة في إيجاد وضمان التدابير التمويلية والإدارية المتعلقة بتوفير المعاشات التقاعدية لمواطنيها كجزء أساسي من قانون العمل وحقوق العاملين. هذه المدرسة من التفكير كما هو واضح ترى أن خدمات التقاعد يجب أن تبقى دائما ضمن الجهاز الحكومي والقطاع العام وأن لا تخصخص بما يفقدها الضمانة الحكومية، وأنه في حال وجود تحديات مالية في تمويل أنظمة التقاعد، فإن أمام الحكومات خطوتين: الأولى تمويل العجز من ميزانيتها العامة، والثانية هي تنفيذ إصلاحات معيارية (Parametric Reforms) ضمن نظام التقاعد الحكومي نفسه، مثل زيادة نسبة المساهمة المقتطعة، تمديد سن التقاعد، تخفيض بعض المزايا إلى آخره من أجل إستدامة النظام والمحافظة عليه للمستقبل.
أما المدرسة الفكرية الثانية بقيادة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فإنها تركز على الأهداف الإقتصادية والمالية. فهي ترى أن سوق العمل والوظائف التي يعمل بها الموظفون لم تعد كالسابق، فهي الآن شيء متنوع ومتحرك، بين قطاعات رسمية وأخرى غير رسمية، وهناك إتجاهات قوية لتأسيس الأعمال الفردية وإستخدام منصات التكنولوجيا، لذلك فإن توفير الحماية الإجتماعية يتطلب نموذجا جديدا وأدوات أخرى من الحماية المشتركة للأخطار (والمقصود بها العبىء المالي للتقاعد) بدل أن تكون هذه الحماية مبنية فقط بالإعتماد على جهة التوظيف والإقتطاعات عبر رواتب العمال (Staff Payroll)، خاصة وأن زمن الإستقرار الوظيفي والبقاء مع جهة عمل واحدة مدى الحياة أصبح تقريبا من الماضي. لذا فإن هذه المتغيرات غير المتوقعة تخلق تباينا بين نموذج الحماية الإجتماعية السائد منذ عقود وظروف بيئة العمل الجديدة. وحتى هذه اللحظة لازلنا نعتمد على جهة العمل كمنصة مستقرة لبناء نظام التقاعد حيث أن جهة العمل هي الوسيط التنفيذي بين العاملين الذين يجب أن يستفيدوا من التقاعد وبين سياسات التأمينات الإجتماعية المحلية. وبدل الإعتماد على ذلك، فإن هناك حاجة لبناء نظام عام (من الإيرادات والنفقات) أكثر شمولية لتشارك الأخطار وليكون أكثر عدالة وإستدامة من الترتيبات الحالية.
في مقابل النظام الحكومي الأحادي، فإن النموذج الذي تبني عليه هذه المدرسة نموذجها التقاعدي يضم من ثلاث إلى أربع دعامات: تشمل الأولى الإعانات الإجتماعية من غير ذوي الدخل أو ذوي الدخل المحدود وهي غير مرتبطة بأية مساهمة مالية مسبقة، الدعامة الثانية هي التأمين الإجتماعي الحكومي، الثالثة هي خطة التقاعد والإدخار التي تقدمها جهة العمل (بشكل إجباري أو إختياري) والدعامة الرابعة هي الإدخار الفردي من خلال المؤسسات المالية. ويوفر النموذج الجديد سلسلة كاملة من الحماية الإجتماعية تشتمل على التأمين والإدخار وخدمات مالية أخرى بحد أدنى من المرتبات التقاعدية لجميع فئات المجتمع، وهو حسب هذه المدرسة يتطلب إرساء إتفاقية إجتماعية جديدة للحماية من الفقر والاخطار وتحفيز الإزدهار.
لذلك، فإن إصلاح النظام التقاعدي ضمن هذه المدرسة الأخيرة يجب أن يكون إصلاحا هيكليا (Structural Reforms) يشمل الإصلاحات المعيارية في القطاع الحكومي ولكن بنحو أكبر يشمل أيضا ترتيبات ضرورية في القطاع الخاص لخدمات التقاعد (المؤسسات المالية وأسواق رأس المال)، ويسعى إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية والمالية والسوقية مثل تخفيض العبىء المالي على موازنة الحكومة، وتحفيز المدخرات الفردية الإلزامية أو الإختيارية والقضاء على إحتكار القطاع العام لخدمات التقاعد من خلال المنافسة وتعزيز الأداء الإستثماري.
ثالثا، رحلة العالم مع إصلاح أنظمة التقاعد: ربما إنصدم البعض أو إستنكر وجود أزمة تمويلية تؤثر على إستدامة صناديق التقاعد عندنا في البحرين، معتبرين ذلك إنتكاسة وتقصيرا كبيرا من قبل القائمين على قطاع التقاعد، وكأن أزمة كهذه هي حدث نادر واجهته مملكة البحرين فقط. ولكن سرعان ما يتغير هذا الإستنكار إذا ما علمنا أنه في غضون 23.5 سنة الماضية فقط، من عام 1995 إلى يونيو 2019، ومن أجل خفض التكاليف المالية الضخمة على نظام التقاعد الحكومي الذي يعتمد على دعم الميزانية السنوية: هناك 78 دولة زادت نسبة المساهمة الشهرية المقتطعة للنظام التقاعدي (على سبيل المثال: كوستاريكا، كرواتيا، نيكاراغوا، هولندا، النرويج)، و58 دولة قامت بزيادة سن التقاعد (على سبيل المثال: كرواتيا وهولندا وروسيا وجمهورية سلوفاكيا والمملكة المتحدة، وكذلك المملكة العربية السعودية أيضا فيما يتعلق برفع سن تقاعدة المرأة)، و61 دولة قامت بتعديل شروط الفوائد أو تخفيض المزايا التقاعدية (مثال: الأرجنتين، بلجيكا، البرازيل ، إيطاليا ، اليابان). وهذا ما يثبت أن إدارة أنظمة التقاعد بطبيعتها هي عملية ديناميكية (وليست جامدة) من موازنة مستمرة بين الإيرادات والإنفاق، ومن موائمة الإنفاق والمزايا التقاعدية حسب الأصول ونموها المتوقع وحسب التغيرات الديمغرافية وسياسة الحماية الإجتماعية التي تنتهجها كل دولة.
جميع هذه التغييرات المذكورة أعلاه هي إصلاحات معيارية (أي ضمن شروط وقوانين نظام التقاعد القائم) وتخص النظام التقليدي الحكومي ذو المزايا المحددة المدعوم بالموازنات السنوية في حال لم يستطع التمويل ذاتيا بشكل كافي. وقد تتقزم مثل هذه التغييرات وتعدادها في نظرك إذا ما علمت أن هذا النظام عالميا لا يمثل في حصته السوقية ومن حيث حجم الأصول المجمعة في قطاع التقاعد سوى 20% كحد اقصى في الدول المتطورة، مقابل أصول تصل إلى 80% يديرها القطاع الخاص للتقاعد. إذ تقترب الأصول الإجمالية للتقاعد عالميا من 50 تريليون دولار أمريكي حتى العام 2018، منها 44 تريليون في منطقة منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية والتي يصل فيها متوسط أصول التقاعد الخاص لجميع دولها مجتمعة ما يساوي 83٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016 (قبل ثلاث سنوات). في حين بلغت أصول التقاعد العام فقط 19٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 18 دولة من المنظمة من الدول التي أنشأت إحتياطيات/ صناديق لدعم التأمينات الإجتماعية.
على مدى العقود الخمسة الأخيرة، إنشغلت العديد من البلدان في جهود مكثفة لإصلاح انظمة التقاعد، وغالبًا ما إنطوى ذلك على إدخال تدريجي لأنظمة التقاعد ذات المساهمة المحددة (أي الحسابات الفردية للتقاعد مقابل النظام العام التضامني) التي يديرها القطاع الخاص. واليوم تمثل خطط التقاعد ذات المساهمة المحددة غالبية الأصول المستثمرة في البلدان المتطورة، ومن المتوقع أن تؤدي الإصلاحات التنظيمية والمحاسبية في هذه الصناعة إلى تسريع هذا التحول. ففي العشر سنوات الماضية حتى في البلدان ذات النسبة العالية من أصول أنظمة المزايا المحددة، انخفضت نسبة الأصول في تلك الخطط في 17 من أصل 22 دولة لديها خطط ذات مزايا محددة في منطقة منظمة التعاون الإقتصادي والتمنية، بما في ذلك الولايات المتحدة (33٪ في 2018 مقارنة بـ 39٪ في 2008) لصالح خطط التقاعد المهنية (التي توفرها الشركات لموظفيها) وخطط التقاعد الشخصي.
تاريخيا، بدأ هذا التحول في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فعليًا في السبعينيات، وبحلول منتصف سبعينيات القرن العشرين بدأ عدد خطط المساهمة المحددة يفوق عدد خطط المزايا المحددة. وكانت سنة 1984 هي السنة الأولى التي فاق فيها عدد الأعضاء المشاركين (الموظفين) في أنظمة المساهمة المحددة عدد المشاركين في خطط المزايا المحددة. وبعدها بعقد، أي في منتصف التسعينيات، تجاوزت الأموال المستثمرة في خطط المساهمة المحددة تلك المستثمرة في خطط المزايا المحددة بنسبة 58% للأولى مقارنة بـ 42% للأخيرة.
هناك 33 دولة لديها الحساب الفردي التقاعدي (نظام المساهمة المحددة) أساسيا وإلزاميا والذي بدأته تشيلي في 1981 وإنتهاء بجورجيا في العام 2019، مرورا بالمكسيك وأستراليا والصين وإسبانيا والمملكة المتحدة ودول عديدة في أوروبا وشرق آسيا وأمريكا الجنوبية.
ومن وجهة نظر منظمة العمل الدولية إذا رجعنا لها مرة أخرى، فإنها ترى في خصخصة التقاعد وفك إرتباطه مع الميزانية العامة للدولة قد فشل فشلا ذريعا، وتستشهد بالتجربة التشيلية والتي بني نظامها التقاعدي على الخصخصة ومبادىء السوق قبل 40 عاما، بهدف تقليل عبئ التمويل على الحكومة إلى مستوى 1.3% بحلول العام 2030 مقارنة بـ 7.7% لدول منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية. حيث أدى ذلك إلى كارثة في السنوات الأخيرة ومظاهرات عارمة بسبب النتائج التي خلفها هذا النظام في تدني الرواتب التقاعدية إلى مستويات منخفضة كثيرا عن خط الفقر. ولم تكن تشيلي وحدها في تلك التجربة والنتيجة التي آلت إليها حسب منظمة العمل الدولية، وإنما هناك 18 دولة آخرى قررت في السنوات الأخيرة عمل ما نمكن أن نطلق عليه “إعادة إصلاح الإصلاح في الإتجاه المعاكس re-reforming and reversing pension privatization” بشكل رئيسي من خلال تأميمه إلى المؤسسات الحكومية بعد أن كان مخصخصا جزئيا أو كليا، ومن هذه الدول: فنزويلا (2000) ، إكوادور (2002) ، نيكاراغوا (2005)، بلغاريا (2007) ، الأرجنتين (2008) ، سلوفاكيا (2008)، إستونيا، لاتفيا وليتوانيا (2009)، بوليفيا (2009)، المجر (2010)، كرواتيا ومقدونيا (2011)، بولندا (2011)، الاتحاد الروسي (2012)، كازاخستان (2013)، التشيك (2016) ورومانيا (2017). الغالبية العظمى من هذه البلدان تحولت عن الخصخصة بعد الأزمة المالية العالمية 2007-2008 ، عندما ظهرت عيوب نظام التقاعد الخاص حسب وجهة نظر منظمة العمل الدولية. أما في رأي البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية، فإن الإخفاقات الحاصلة في التجربة التشيلية وغيرها فتعود أساسا لإخفاقات في التنفيذ وليس في أصل النموذج، خاصة في التخلف عن نسب الإدخار المفروضة وفي إلزامية الإدخار والوعي المجتمعي المرتبط بالتخطيط للتقاعد.
رابعا: مؤشرات الإدخار الوطني للتقاعد حتى العام 2050: على مدار العقود القادمة، سيؤدي الإتجاه الحالي لانخفاض الإنجاب وزيادة معدل الأعمار (أو ما أسميناه في المقال السابق بالأعصار الذي ضرب أنظمة التقاعد) إلى تغيير كبير في التوزيع العمري للسكان في العديد من البلدان، وإن كان ذلك بسرعات متفاوتة. وسيكون لهذا التحول الديموغرافي أثار على الموازنات والسياسات المالية. وحسب صندوق النقد الدولي، فإن المصروفات الحكومية على التقاعد سوف تزداد سنويا بمعدل 1% و 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتطورة والنامية بالترتيب بحلول عام 2050. وبدون تعديل الضرائب وغيرها من النفقات، ستؤدي هذه الزيادة إلى انخفاض بنفس النسبة في مستويات الإدخار/ التمويل لأجهزة التقاعد الحكومية.
وبحدوث ذلك، سيتعين على الشباب في الإقتصادات المتقدمة الإدخار بنحو أكبر وتأجيل التقاعد بعدد من السنوات للاستمتاع بمزايا تقاعدية مماثلة للمتقاعدين الحاليين. ولأنه يتوقع أن تشهد البلدان التي تعاني من الشيخوخة وتقلص أعداد السكان في سن العمل (مثل أوروبا وأمريكا الشمالية وشرق آسيا) انخفاضًا أكبر في المدخرات الوطنية (أي مجموع إدخار أجهزة التقاعد الحكومية والإدخار الشخصي للأفراد) من البلدان ذات السكان الأصغر سنا، فإن تصميم أنظمة التقاعد سيكون لها دور أكبر في بناء مستويات الإدخار الملائم في العقود القادمة.
ستنخفض المدخرات الشخصية بشكل أكبر في البلدان التي لديها أنظمة تقاعد ذات مزايا سخية (مثل هولندا وفلندا والنمسا وكرواتيا وإيطاليا وأستراليا وفرنسا ولوكسمبورغ والدنمارك وتركيا والشرق الأوسط)، حيث سيعتمد الناس بدرجة أقل على مدخراتهم للتقاعد. كما أنه من المتوقع أن تزداد المدخرات الشخصية في البلدان التي تتوفر فيها خطط الإدخار الفردي (ذات المساهمة المحددة) ضمن نظامها التقاعدي.
ومن أجل إصلاح أنظمة التقاعد الحكومية وتخفيف مواطن الضعف المالية، سيتطلب الأمر تشجيع الأفراد على الإدخار بشكل أعلى للتقاعد، ولكن يجب معايرة/ مقايسة الإصلاحات بعناية لتجنب الإضرار برفاهية المتقاعدين في المستقبل أو إفقار المسنين. ويمكن للبلدان التي لديها بيئة إقتصادية وقانونية متقدمة وأنظمة مالية متطورة النظر في إدخال حسابات الإدخار التقاعدي للأفراد كخدمات مكملة لنظام التقاعد الحكومي، إذ يوفر ذلك وسيلة لتشجيع الادخار الخاص، حيث تعتمد قدرة الأسر على دعم دخلها التقاعدي على توافر مجموعة واسعة من المنتجات المالية ذات الصلة لتنويع الإدخار والإستثمار طويل المدى المرتبط بالتقاعد.
بعد هذه القراءة الموسعة لخلفية إصلاح أنظمة التقاعد عالميا ومؤشراتها المستقبلية، فإنه بالإمكان إقتراح الخطوات والخيارات التالية من أجل إنقاذ صناديق التقاعد في البحرين وتدعيم إستدامتها. ويمكن تقسيم هذه المقترحات إلى نوعين (وهي مجرد أفكار عامة نساهم بها تجاه معالجة الأزمة فيما يستوعبه هذا المقال)، الأولى إستراتيجية وطويلة الأمد، والثانية تكتيكية إنقاذية للأمد القريب والمتوسط، ونلخصها كما يلي:
1 : الخطوات الإستراتيجية (تبحث في ما وراء نظام التقاعد الحالي): تهدف هذه الخطوات بالتحديد للتعرف على حجم المشكلة ماليا وإجتماعيا وقياس تسارعها للعقود الثلاثة القادمة (من خلال سيناريوهات واقعية ومعقولة) وإكتشاف حلول جديدة إضافية محتملة (غير التقليدية القائمة حاليا) قابلة للتطبيق حكوميا وإجتماعيا. العوامل التي تكمن وراء هذا التفكير وتعززه هي أن تمويل التقاعد يؤرق الحكومات وموازناتها وخططها المالية كحجم إنفاقي، وفي الوقت نفسه فإن أنظمة التقاعد مهمة جدا للإستقرار الإجتماعي وتهم شريحة واسعة من المجتمع، بل كل المجتمع المحلي. وكما سبق في هذا المقال والمقالات السابقة، فإن مشاكل التقاعد محليا وعالميا آخذة في التدهور وليس في الإنفراج، بسبب التغييرات الديمغرافية وعدم ملائمة نظم التقاعد الحالية مع هذه الظروف الجديدة. وضمن هذه الخطوات، يمكن المبادرة لأخذ التدابير الآتية:
أولا، إنشاء لجنة عليا أو مجلس أعلى لشؤون التقاعد لهذا الغرض، منفصل عن الهيئة العامة للتأمين الإجتماعي، لكنه ينسق ويتعاون ويرتبط بها بحكم طبيعة عمل الإثنين. يتولى المجلس بشكل رئيسي تحديد الإتجاهات المستقبلية لتطوير قطاع التقاعد، بما في ذلك تكييف وتحديث سياسات وقوانيين الحماية الإجتماعية الحالية في ضوء السياسات وخطط الموازنات المالية الوطنية مستقبلا.
ثانيا، يتولى المجلس إجراء دراسة تقييمية شاملة للوضع الراهن والمستقبلي لقطاع التقاعد، بما في ذلك تجارب دولية مشابهة ومقارنتها وتقييم أفضل الخيارات والممارسات العالمية من حيث بناء نظام تقاعدي آمن، مستدام، قابل للتطبيق ومقبول إجتماعيا يغطي كافة شرائح المجتمع البحريني. وعلى نسق إصلاح وتنظيم سوق العمل في مطلع التسعينيات، ينظر هذا المجلس في إمكانية إصلاح وإعادة تنظيم قطاع التقاعد بما يؤهله لمواكبة ظروف وإحتياجات مملكة البحرين للثلاثين سنة القادمة. فإذا كان إصلاح سوق العمل آنذاك يهدف لخلق الوظائف ودعم توظيف البحرينيين، فإن إصلاح قطاع التقاعد الآن يقدم للعاملين والمواطنين مزيدا من الأمن التقاعدي والحماية المستدامة من مخاطر الفقر في الشيخوخة والعجز والوفاة مستقبلا.
ثالثا، زيادة الثقافة التقاعدية بجوانبها المالية والإقتصادية والإجتماعية في أوساط صناع القرار في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وجعل الإصلاح التقاعدي عملية مستمرة وطويلة الأمد في أجندة الحكومة لما لذلك من أهمية قصوى على الصعيدين المالي والإجتماعي.
رابعا، ولأن إصلاح أنظمة التقاعد عملية طويلة الأمد وترتبط بالعديد من العوامل، ولا تتضح نتائجها إلا على مدى فترات زمنية طويلة حسب تجارب الدول الأخرى، فإنه ينبغي وضع خطة للثلاثين سنة القادمة “الخطة 2050 لإصلاح نظام التقاعد” بما يتطلب ذلك من فترات تخارج وفترات سماح وفترات إنتقالية قد يتطلبها تنفيذ والإنتقال إلى أية حلول أو إتفاقيات جديدة.
خامسا، ولأن لكل دولة وضعها وظروفها المالية والإقتصادية والإجتماعية بشكل عام وفيما يخص الوضع التقاعدي أيضا، فقد يكون من باب الحكمة أو المبادرة الإستباقية أن تبدأ مملكة البحرين بأخذ مثل هذه الخطوات الإستراتيجية لإصلاح وتطوير أنظمة التقاعد وألا تنتظر شقيقاتها في مجلس التعاون للتحرك المماثل أو التحرك الجماعي، فقد تختلف حدة الأزمة التقاعدية من بلد لآخر وبالتالي تختلف الأولويات المحلية في كل بلد (من الناحية الزمنية) حسب الظروف المالية والإقتصادية لكل منها.
سادسا، إن خطوة من هذا النوع تعتبر في صميم خطة إعادة التوازن طويل الأمد ومكملا أساسيا في تخطيط السياسات المالية على الصعيد الوطني. وفي حين أنها تضع البحرين على مسار مالي آمن للمستقبل، فإنها أيضا تقنع شركائنا الإقليميين والدوليين الداعمين للمملكة بأننا جادون في الإصلاح المالي وأن لدينا رؤية واضحة وشاملة للبنود الكبرى من الإنفاق الحكومي.
خطوات تكتيكية إنقاذية (ضمن نظام التقاعد الحالي): بداية نقول إن وصول العجز التمويلي لصندوق تقاعد القطاع الحكومي إلى حوالي 90% وصندوق تقاعد القطاع الخاص إلى حوالي 80% (إكتواريا) يعني أننا في سباق مع الزمن وأن كل سنة نضيعها دون البدء في إصلاحات جادة وحقيقية وذات مغزى يعني أننا نقترب من حافة الهاوية ونهدد أمننا الإجتماعي. يجب أن ندرك أن السماء لن تمطر علينا أموالا بشكل مفاجىء، وأن التردد أو الخطوات الصغيرة الخجولة التي لا تغير كثيرا من الواقع الحالي هي أشبه بالعدم أمام حجم التصحيح المطلوب. وفي هذا السياق، فإننا نقترح هذه الخطوات الأساسية الست للمنظور القريب والتي نراها عادلة ولا تمس منافع ومكتسبات أكثر من 95% من المتقاعدين الحاليين وأولئك الذين ينوون التقاعد مستقبلا، وهي كما يلي:
2.1 فيما يخص تقليل المصروفات والتدفقات الخارجة:
أولا، تعزيز التحوط من مخاطر الزيادات الكبيرة في المصروفات التقاعدية: المعروف أن مزايا التقاعد الحالية سخية نسبيا (وعالميا) مقارنة مع نسبة الإشتراكات وسنوات المساهمة، لدرجة أننا لو قمنا بزيادة نسبة الإشتراك الحالية إلى الضعفين لما كانت كافية لتغطية منافع التقاعد الحالية بشكل مستدام. وهذا ما يشير إلى الخلل الكمي في العلاقة بين الإشتراكات والمزايا. ولتعديل ذلك، ومن أجل التحوط ضد الزيادات الكبيرة المضطردة في المصاريف التقاعدية، فإنه بالإمكان كخطوة أولى مراجعة المزايا الحالية ووضع حد أقصى للراتب المؤمن عليه من قبل صندوق التقاعد الحكومي، أسوة بـ ومساواة مع صندوق تقاعد القطاع الخاص، وهو أربعة آلاف (4000) دينار فقط.
ثانيا، إكمالا للخطوة الأولى، وبسبب الوضع المتأزم والذي يصعب حله دون تنازلات وتضحيات من قبل البعض كي تستفيد غالبية الشرائح من المتقاعدين والمواطنين العاملين حاليا من نظام تقاعدي مستدام، فإنه بالإمكان أن تقرر الحكومة (ولفترة إنتقالية مشروطة) أن يكون الحد الأقصى للراتب التقاعدي من كلا الصندوقين هو ثلاثة آلاف (3000) دينار فقط إلى أن يتعافى الصندوقان وتصل ملائتهما المالية لمستوى 80% مثلا، ليعود الحد الأقصى بعد ذلك إلى مستواه الأصلي وهو 4000 دينار، إذ من شأن تقليل الإنفاق إبطاء التدهور الحالي وإعادة بناء التمويل إلى مستويات أفضل. علما أن هذين المقترحين لا يؤثرون على أكثر من 5% من المتقاعدين الذين كانوا من كبار المسؤلين والمدراء التنفيذيين من أصحاب المدخرات والإستثمارات العالية عادة والذين لا يعتمد دخلهم في مرحلة التقاعد على راتب هيئة التأمينات الإجتماعية فقط. كما أن مبدأ زيادة أو تخفيض المزايا التقاعدية طبقا لمستويات التمويل هو جزء من قانون التأمينات الإجتماعية الذي بدأ تطبيقه منذ سنوات في عدد من الدول المتقدمة.
ثالثا، إعادة تركيز نظام التقاعد على هدفه الأصلي وهو التأمين الإجتماعي ضد الشيخوخة والعجز والوفاة: إن نظام التقاعد المعول به في البحرين (وعالميا) مصمم بحيث يتقاعد الموظف في الغالبية العظمى من الحالات في عمر 60 سنة. وفي حين أن كثيرا من الدول المتقدمة والغنية قد رفعت السن التقاعدي إلى 65 والبعض إلى 67 سنة بسبب تكلفة مصروفات التقاعد وزيادة معدلات الأعمار، فإن الإتجاه الغالب لدى الناس في منطقتنا وعندنا في البحرين خصيصا هو أن نعمل للحد الأدنى من السنوات لنضمن دخلا تقاعديا مدى الحياة، ثم يتوجه البعض منا للراحة والسفر والبعض الآخر للعمل في وظائف أخرى أوتأسيس أعمال فردية. لتقليل مصروفات هيئة التأمينات الإجتماعية والمساعدة في إعادة رسملتها، ينبغي فورا زيادة السن الأدنى للتقاعد إلى 55 سنة للرجل والمرأة، على أن يرفع مرة أخرى إلى سن 60 سنة في العام 2030. بالمناسبة، المملكة العربية السعودية الشقيقة قامت العام الماضي برفع سن تقاعد المرأة من 55 إلى 60 سنة مساواة مع الرجل.
رابعا، خلق ربط أكبر بين المزايا والمستوى الحقيقي والفعلي للمساهمات: معدل استبدال الراتب التقاعدي هو مقياس لمدى فاعلية نظام التقاعد في توفير الدخل خلال التقاعد ليحل محل الدخل الرئيسي للموظف قبل تقاعده، ويعبر عنه في كثير من الأحيان بنسبة مئوية من الرواتب الأخيرة للموظف قبل تقاعده. في حين أن كثيرا من أنظمة التقاعد العالمية تبني حجم المزايا التقاعدية بناء على متوسط الدخل الفردي طيلة فترة عمل الموظف (as a share of individual lifetime average earnings) وقيمة المساهمات الفعلية، فإن نظامنا في البحرين (وفي كثير من الدول الأخرى أيضا) يبني حجم المنافع التقاعدية بناء على مرتبات آخر سنتين فقط، بما يجعل المرتبات التقاعدية أعلى للموظف وأكثر كلفة على الهيئة، إذ تعمد غالبية الموظفين للخروج للتقاعد بعد تحسين مرتباتهم بفترة بسيطة للإستفادة من الرواتب المرتفعة نسبيا. وفي حين أن كثيرا من البلدان بدأت تطبيق متوسط الدخل طيلة فترة العمل والمساهمة في الصندوق (Career Average) فإنه يمكننا في البحرين أخذ خطوات تدريجية في هذا الإتجاه مثل جعل معدل إستبدال الراتب التقاعدي مبني على اساس متوسط الراتب لآخر خمس سنوات إبتداء من العام 2020، وبحلول العام 2030 يكون على أساس متوسط الراتب لآخر عشر سنوات.
خامسا، إيقاف العمل بمنح قروض للمؤمن عليهم في صناديق التقاعد: تعزيزا لإعادة تركيز عمل هذه الصناديق على أهدافها الأصلية وهي الحمياة من مخاطر الشيخوخة والعجز والوفاة، يجب أن تتوقف هذه الصناديق من منح قروض ميسرة للمؤمن عليهم، وذلك منعا لتناقص الأصول المستثمرة وبالتالي دخل هذه الصناديق من عوائد الإستثمار. وإذا كانت مثل هذه المزايا قد أدخلت في الفترات الأولى لعمر الصناديق عندما كانت الأصول تنمو بسرعة أكبر من المصروفات، فيجب توقفها الآن بعد أن أصبحت المصروفات تنمو بسرعة أكبر من الأصول.
2.2 فيما يخص زيادة الإشتراكات والتدفقات الداخلة:
إرجاع نسبة الإشتراك لمستوياتها السابقة وتدعيمها حكوميا أيضا: في غياب الحل أو الخيار البديل لنظامنا القائم حاليا على الأقل للعشر سنين القادمة، فإنه لا مفر من العمل سويا وجديا ومن تقديم التضحيات من قبل جميع الأطراف، بما فيها الحكومة. كما أشرنا في المقال السابق، تم تخفيض نسبة الإشتراك في 1986 من نسبة 14% لجهة العمل و7% للعامل (أي ما مجموعه 21% من المرتب) إلى 10% لجهة العمل و5% للعامل (أي 15% وبتقليل نسبته 6% من مرتب العامل). ومن أجل إعادة رسملة الصناديق فإنه يجب العودة لتلك النسبة الأصلية الواردة في قانون الضمان الإجتماعي. ولكي تبدي الحكومة مشاركتها فعليا في الجهود والتضحيات المطلوبة من جميع الأطراف لإنقاذ نظام التقاعد وجعله مستقرا ومستداما بما يخدم التنمية الإجتماعية والإقتصادية للمستقبل، فإنه مطلوب من الحكومة أيضا أن تسدد فورا (ضمن حزمة الإصلاحات) إشتراكا بنسبة 3% من الميزانية العامة عن كل موظف بحريني في القطاعين العام والخاص، على أن تزيد تلك النسبة إلى 5% في العام 2025، لتتوقف بعدها في نهاية العام 2030 بعد دراسة الوضع التمويلي للصناديق والنتائج التي تأتت من حزمة الإصلاحات بشكل شامل.
الدراسة الإكتوارية الأخيرة التي أجرتها الهيئة العامة للتأمينات الإجتماعية في العام 2018 (قبل برنامج التقاعد الإختياري) اشار إلى أن أمام صناديق التقاعد حوالي عشر سنوات قبل إفلاسها فعليا. لكن المسارعة بأخذ الخطوات المشار إليها أو ما يعادلها كفيل بإعطاء هذه الصناديق على الأقل 15 سنة إضافية للمستقبل.